المراجعاتمانجا

أسطورة كوروساوا – Saikyou Densetsu Kurosawa

يامراحب السلام عليكم، عندما يسألني أحدهم (من هو المانجاكا صاحب الأسلوب الأغرب والأميز في صنعته؟) فورًأ يتبادر لذهني اسم (نوبويوكي فوكوموتو) ذلك المانجاكا الذي إذا ما أغمضت عينًا وفتحتها ستجده رسم قصة جديدة ! مؤلفٌ نشطٌ معطاء،جريءٌ في طرحه لا يغرد إلا خارج السرب .القمار، الياكوزا، ألعاب وتحديات مميتة،نقد لاذع لمجتمعه الياباني ، تلك هي الصورة التي رسمها لنفسه واشتُهر بها في أوساط القراء والمعجبين، فكيف لا وهو من ألف سلسلة صاحب الأنف الذي لا يشق له غبار Kaiji وأيضًا Akagi وأيضًا Tobaku Haouden Zero، كلها أعمالٌ عرفت بالمقامرة وألعابها الخطيرة، وعرفت أيضًا بتقديم جرعة خارقة من التشويق والتوتر الذي لا تتوقع أن تناله من رجال يقامرون لكن اليوم لنرمي كل هذا جانبًا وتعالوا نتحدث عن عملٍ لا قمار ولا ألعاب فيه، عمل مختلف تماما عن كل ما اشتهر به فوكوموتو، عملٌ يسلط الضوء على تجربة إنسان كان من أرذل الخلق يومًا فأصبح أسطورة ، أسطورة الرجل الأقوى : كوروساوا.

Saikyō Densetsu Kurosawa

هي سلسلة مانجا رسمها وألفها المانجاكا Nobuyuki Fukumoto،وتحوي التصانيف التالية : أكشن -يالطيف الطف!- ، كوميديا، سينين، دراما.وكعادة فوكوموتو أصدرها على جزئين، الأول (2002 – 2006) والثاني (2013 -2020)،وهنا سأكتفي بالحديث عن الأول الذي يتكون من 11 مجلدًا و90 فصلًا.لماذا الأول فقط ؟ لأن الثاني غير مترجم ولعل بعد هذا الموضوع نرى أحدًا يتلحلح ويتكرم علينا بترجمته … والله كريم.لكن المهم أن الجزء الأول يحوي نهاية لائقة مرضية مشبعة وعن نفسي ظننت أن القصة انتهت عندها لكن صدمت عندما علمت بوجود الجزء الثاني وبحكم الفارق الزمني بينهما أظن أن فوكوموتو حب يحلبها، ولا ضير طبعًا.

قصة جديدة

صناعة المانجا والأنمي في غالبها موجهة للشباب بمختلف تصانيفها، ولذلك نرى أبطال قصصها شبابًا وقلما نجد العكس لأن التفاعل مع شخصيات تماثل أعمار القراء والمشاهدين يكون أسهل وأقوى ولسان حالهم يقول “والله هذا أنا”، وهذا في أصله ليس بالشيء السيء ابدًا لكن التنويع مطلوب وهنا يأتي تصنيف السينين بشخصياته مختلفة الأعمار ليستهدف جمهورًا أوسع بقصص أنضج-وليس بالضرورة أن تكون دائما أفضل من سابقها-.

وهنا فوكوموتو أراد أن يقدم تجربة مختلفة، تجربة تحاكي واقع أناس فاتهم قطار الشباب، فلا إنجازات ولا أشياء ترفع الراس، فقدم لنا قصة كوروساوا، عامل البناء الأربعيني،رجل ضخم، قبيح الوجه -شبه الدُرج- فقير سكير، لكنه طيب القلب صادق اللسان ، في يوم من الأيام أستوعب أنه لم يقدم شيئًا يذكر في هذه الحياة فحياته تنحصر مابين عمله وأكله وشربه ونومه دون أصدقاء،دون أحباء وأعزاء،دون زوجة وابناء، لحظة استيعابه قرر قرارًأ مصيريًا ! ايوة قرر أن يتغير ويصبح إنسانًا أفضل، إنسانًأ محبوبًأ ! ولكن لأن كوروساوا هو أخر واحد ممكن يتغير بسهولة فهذا سيُدخله في دوامة من الأحداث الغريبة العجيبة التي ستضعه في مواقف لا يُحسد عليها، مواقف عصيبة ستجبره أن يتغير، ستصهره وتشكل شخصيته من جديد ليصبح فعلًا اسمًا على مسمى : أسطورة الرجل الأقوى : كوروساوا،وليس على طريقة نصابي التنمية البشرية إنما على طريقة فوكوموتو !

فوكوموتو ملك المبالغات

من شاهد عملًأ لفوكوموتو بالتأكيد لاحظ حرية ومبالغات شديدة في قصصه، فهو يبالغ في السيناريوهات التي تحتويها، يبالغ في صفات شخصياتها وردود أفعالها، وكأنه لا يلتزم بأي نهج أو سردٍ تعودنا عليه في صناعة المانجا والأنمي، وهذه المبالغة ممتازة إذا ما أدت دورها فعلًا في جعل القارئ يعيش التجربة،وهي تجارب مليئة بالإحاسيس والمشاعر التي لا يمكن إظهارها إلا بهذه المبالغات فمثلًأ من يتوقع أن رحلة كوروساوا للتغيير تحوي تحقيقًا يشابه تحقيق كونان ؟ قتالًأ مع طلاب مدرسة متوسطة أو مصارعين محترفين ؟ لا والطامة أن يشن حرب شوارع على عصابة درجات نارية ؟ سلامات وين تطوير الذات يابو الشباب ؟ هذا مربط الفرس فكل ماسبق كتلة من الأحداث الغريبة المبالغِ فيها ولكن كيف بدأت ؟ وإلى ماذا ستؤدي ؟ هنا يأتي ذكاء المؤلف في جعل هذه الأحداث سببا للتغيير. وجرب وشوف.

قتالات حامية الوطيس

من أحلام العصر أن يرسم فوكوموتو قتالًا وهنا تحقق الحلم … فكل قصص فوكوموتو ابطالها يجلسون ويقامرون إلا هذه، فهذه القصة مليئة بالحركة والقتالات الملحمية التي يخوضها بطلنا ليغير من نفسه .هذه القتالات متنوعة الأساليب مليئة بالإستراتيجيات والخدع التي تعكس فكر وفلسفة كل طرفٍ منها،فتارة يقاتل كوروساوا بيده وتارة بالعصي وكأنه مقاتل ساموراي فر من عصره وجاء ليسطر ملاحم دموية قاسية غيرت الكثير والكثير.تظن هذه مبالغة ؟ جرب وشوف.

أخيرًا استعملت رياكشني المفضل

يع هذا رسم ؟

لا أنكر أن رسم فوكوموتو غريب، فوجوه شخصياته كأنها أشكال هندسية، وجه مربع انف مثلث وهكذا…والعيون؟ عيون باكية، والملامح؟ مرعوبة وصريخ وعويل وبكاء وخذلك أشياء تسيل من الأنف ما تنتهي، لكن هل هو سيء ؟ أكيد لا.

فرسمه يتماشى تمامًا مع جو المبالغات وردات الفعل الغريبة سواءً في أعمال القمار أو في كوروساوا.رسمه بسيط لكنه معبر جدًا خصوصًا في اللحظات المفصلية التي تتطلب قدرًا كبيرًا من الانفعال والملامح وسنلحظ اهتماما وتميزًا كبيرًا في رسم تعابير الشخصيات من فرح وحزن وخوف وذهول بلا ضوابط أو حدود فلا حاجز بينك وبين قلب الشخصية وهذا طبعًا سيزيد من تفعالنا مع مواقفهم وردات فعلهم .غير أن تقسيم الأحداث في صفحات المانجا يسهم في زيادة تقبل هذا الرسم الغريب وجعله مريح للعين فكل جزء من الصفحة يحوي مشهدًا واحد بلا عناصر مششتة أو أحداث قد تغفل عنها ومع الوقت ستتقبل هذا الاسلوب وستحبه وستصبح متيقنًا أن هذه القصص لا يمكن أن تُرسم إلا بقلم فوكوموتو.

قيمة القصة (حرق)

على الرغم من مبالغات هذه القصة إلا أن كل مافيها هو واقعي، حقيقي ! سنرى أن مايمر به البطل من اكتئاب وانعدام ثقة وفشل في الحياة هو نتيجة لبعض القرارات التي اتخذها في حياته وقطف ثمارها،لكن دائمًا الحياة تعطينا الفرص لنتغير، وقد يتأخر إداركنا لهذه الفرص لكن المهم هو اللحظة التي نراها ونقرر،كوروساوا كان يعاني من مشاكل كثيرة على جميع الأصعدة،النفسي منها والاجتماعي،لكن مارآه فعلًا هو أن المشكلة ستُحل عندما تُعرف، وبالتأكيد هذا الحل لن يأتي على طبقٍ من ذهب ولأن المشكلة هي مشكلة تراكمت لسنين طويلة فإن الحل سيأتي مع ألم شديد ومواقف عصيبة كل واحدٍ منها سيلمس جانبًا من قلب كوروساوا ويوقظه وهذا الأمر ليس حدثًأ مباشرًا يقول لك هذا الحدث سيغير كذا وكذا لا أبدًا، بل بمرور الصفحات والأحداث سنلحظ نحن التغيير من كلامه وتصرفاته حتى قبل أن يدرك هو أنه تغير ! وهذا هو حال الناس.

وبعد أن يتغير ويصبح إنسانًا مقدرًا لنفسه ولقيمته سيصبح شعلة تُنير ما حولها وترشدهم،كوروساوا بعد مامر بكثير من المواقف سيُدرك أن محيطه مليئ بمن هم على شاكلته، ولأنه ذاق قسوة الفشل الإحباط سيسعى لأن يغيرهم فعلًا وينتشلهم من قعر الفشل ليجعلهم أناسًا أفضل لكن كما مر هو بالعديد من الصعاب سيواجه نفس الأمر معهم والجميل أن كل المواقف التي مرَ بها سابقًا أمدته بالخبرة التي ستجعله كالأسطورة في أعين هؤلاء الناس.قصة كوروساوا هي خليط ما بين الدراما الجادة والكوميديا الهزلية -سوداء احيانا- والذي إذا ماجُمعا بمهارة خرج لنا عملٌ عظيم لا ينسى.

ختاما:أعمال فوكوموتو كثيرة وتستحق اهتمامكم واهتمام المترجمين،كوروساوا الجزء الثاني، كايجي بأجزائه الكثيرة، أعمال أخرى مختلفة قديمة وجديدة كلها مهملة، وأظن أن الجهد المكبوب على ترجمة المانهاوات والاشياء الغريبة الرومانسية لو إنصب في مكان آخر لأنبسطنا كلنا وانتعشنا لكن … الله كريم، في امان الله.

اظهر المزيد

عبدالصمد

مفيش والله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق