مقالات

فيلم ” بيضة الملاك ” والإسقاطات المسيحية .

                                                                              بسم الله الرحمن الرحيم

هذا المقال يحتوي على حرق مفصل لذا وجب مشاهدة الفيلم قبل شروعك بقراءة المقال .


إسم الفيلم : Tenshi no Tamago      سنة الإنتاج : 1985     الأستوديو المنتج : DEEN
مدة الفيلم : ساعة و11 دقيقة      النوع : خيال – سيريالي – دراما      المخرج : مامورو أوشي .


* نبذة عن مخرج الفيلم :

الفيلم من إخراج الإسم الشهير مامورو أوشي ، مامورو أوشي مخرج أفلام وكاتب سكريبت ولد في 1951 وبدأ مسيرته في الأنمي كرسام ستوري بورد في أنمي Ippatsu Kanta-kun بسنة 1977 ثم عمله كمخرج لأول مرة في مسلسل Urusei Yatsura  سنة 1981 والذي بدوره جعله في محط الأنظار ، وما بين عامي 1983–1985 أخرج أول أوفا على الإطلاق وهي Dallos ثم أخرج فيلم Tenshi no Tamago وبعدها حققه نجاحه الأكبر بإخراجه للفيلم الرائع والثوري Ghost in the Shell في سنة 1995 ، مامورو مشهور بأسلوبه الروائي الفلسفي وكثرة اقتباساته المرئية والحوارية وهذا ما جعله مميزاً لدى متابعي الأنمي وناقديه وعن نفسي أعتبره أحد أفضل المخرجين على الإطلاق  .

* مامورو أوشي وفيلم Tenshi no Tamago :

فيلم Tenshi no Tamago كما ذكرت في الفقرة السابقة كان سابق لعصره ، أشبه بفكرة متسرعة من قبل أوشي قام بطرحها لجمهور غير مهيأ ذهنياً لاستيعابها وتقبلها وفهمها وبسبب ذلك عانى الفيلم من آراء سالبية ونقد غير مبرر مما أدى لعزوف الكثير من المنتجين عن أوشي وتركه بلا أي أعمال لمدة 3 سنوات ، سئل أوشي في إحدى المقابلات عن رأيه في نجاح فيلم Ghost in the  Shell مقارنة بعمله السابق Tenshi no Tamago فقال ” الأمر أشبه وكأن لدي إبنتان ، إحداهما فقيرة ( يقصد Tenshi no Tamago ) والأخرى لم أتوقع أن تتزوج ولكنها تزوجت ! ( يقصد Ghost in the Shell ) ” ، من الأسباب التي جعلت Tenshi no Tamago يلاقي ذاك الكم العارم من السلبية الغير مبررة كانت غموضه المفرط جداً في وقته ، فهو جاء بفترة لم هنالك أعمال مهدت الطريقة لانفتاح العقول المشاهدة على أعمال من هذا النوع التي تضع من السوداوية والسيريالية والرمزية ركناً أساسياً لها ، لكن تمر السنين ويتغير الزمن وبدوره المجتمع وأصبح الناس يدركون مستوى العمل الحقيقي وكمية الإبداع فيه على نواحٍ عديدة وبدأ الناس يناقشون آراءهم ونظرياتهم عنه عكس ردة الفعل التي لاقاها الفيلم وقت إصداره .


* قصة فيلم Tenshi no Tamago :

القصة تأخذ مجراها في زمن بعيد ويحتمل أن يكون في المستقبل أو نهاية العالم ، تبدأ مع فتى يبدو في ريعان شبابه حاملاً على كتفه ما يشبه الصليب ومرتدياً ملابس تجعله يبدو وكأنه رجل متدين ربما يكون قساً أو ما شابه ، ثم نشاهد معه نزول شيءٍ عملاق كروي الشكل يبدو من الأمام وكأن له عين ويغطي سطحه تماثيل تشبه البشر فلنسميها بـ ” العين الضخمة ” ، ثم ننتقل للفتاة التي لا يعرف لها إسم تعيش في مبنى قديم بالقرب من مدينة مهجورة تمشي الفتاة في أزقة وشوارع تلك المدينة حاملة بيضةً بين ذراعيها الصغيرتين وواضعةً إياها تحد ردائها لكي تحميها أثناء ذهابها لجمع الماء التي تضعه في قوارير زجاجية لسبب نجهله ، وفي إحدى المرات التي خرجت فيها لجمع الماء تتوقف عند قارعة الطريق فترى مجموعة من ” الدبابات ” غريبة الشكل  عابرةً الطريق معاً ومن ثم تتوقف فجأة لينزل الفتى الشاب من إحداها ومن ثم يلتقي بالفتاة لتبدأ رحلة غريبة وغامضة معهما .


* الشخصيات والحوارات في Tenshi no Tamago :

ربما يكون Tenshi no Tamago أقل عمل تنوعاً بالنسبة لهذه النواحي على الإطلاق ، الفيلم لا يحتوي سوى على شخصيتان لا يعرف لهما إسم أو أي ملعومة شخصية حولهما ، الحوارات فقيرة جداً في هذا الفيلم لكنها تلعب دوراً مهما في إيصال أفكار العمل وتوضيح مقاصده ولا تتجاوز حتى فترة الحديث بين الفتاة والشاب سوى 5 دقائق من وقت الفيلم كاملاً ، وبسبب ذلك قد يعتبر البعض بأنه عمل ضعيف وأركانه متهالكة وهذا خطأ جسيم بنظري فالأعمال السيريالية كهذه ينظر لها بمفهوم مختلف عن بقية الأعمال المشهورة لدى جمهور الأنمي ، فهذا الفقر في الشخصيات والحوارات يجعل أغلبية المشاهدين يشعرون بالحاجة للبحث والتعمق أكثر في معاني الفيلم وهذا بالذات ما حصل معي ، عملية الـ info dump هنا والتي تسيء كثير من الأعمال الحالية استعمالها  يكاد لا يكون لها وجود في Tenshi no Tamago أو أنها طبقت بطريقة مغايرة ومميزة عن الطرق التقليدية ، بحيث أنها تعتمد بشكل كبير على المشاهد ومدى إستيعابه ، من الجدير بالذكر أن الفيلم غامض لدرجة أن مامورو أوشي صرح بأنه يجهل المغزى من الفيلم ! ( ربما قال هذا كمحاولة منه لجلب الإهتمام ) .



* إستخدام الرمزيات في Tenshi no Tamago :

عندما نتحدث عن فيلم كـ Tenshi no Tamago فنحن نتحدث عن فيلم مليئ جداً بالرمزيات والإشارات والإقتباسات فهي بمثابة قلب العمل وركيزته الأساسية ، أوشي مر بكثير من التجارب الحياتية قبل صناعته لـ Tenshi no Tamago فتأثر أوشي كثيراً بفلسفة الإنجيل ولكنه لم يكن مؤمناً بها فكان يستعمله كنموذج تجريبي لقصصه ، وليس لأهداف دينية بل للأيدولوجية والإلهام الأدبي في أعماله ، وكان ذلك وضاحاً للعيان في الفيلم إضافة لأعماله التي تلته كذلك مثل Ghost in the  Shell ولكن ليس بالشكل المباشر نفسه ، إعجاب أوشي بفلسفة الكتاب المقدس وتأثره بها أخرجت لنا تحفة فنية إستثنائية منقطعة النظير تتخللها رمزيات كثيرة جداً من الرسومي والحواري وحتى الشخصيات ، وفي هذه الفقرة سأبين المعاني الأقرب لتلك الرمزيات…


أولاً / البيضة :

– التفسير الأول / يمكننا النظر لها على أنها رمز لبراءة الفتاة الصغيرة ، وهي شيء تحميه وتتمسك به ولكن تسرق منها في نهاية المطاف .


– التفسير الثاني / وينص على أنها تمثل ” البذرة الروحية ” زرعت بالروح البشرية عن طريق المسيح فتترسخ هذه البذرة بأعماق الروح لتنمو وتصبح شجرة معطاء ؛ تلك البيضة التي تحميها الفتاة في ذاك العالم المظلم والموحش يأتي الوقت لتغتصب منها ” تسرق ” من قبل الشاب المتدين بعد تجوالهما معاً ووضعها ثقتها به ليحمي البيضة ويرعاها ، في النهاية تصل الفتاة لمرحلة أشبه بـ ” النضج الروحي ” أثناء غرقها بعد أن سقطت في شقٍ يملؤه الماء وهي تحاول اللحاق بالشاب المتدين ، ونتيجةً لذلك أصبحت الفتاة تمثيلاً لقول ” تزرع ما تحصد ”  فتحصد ثمرة فعلها الأعمى وهذه الثمرة يمكننا اعتبارها خطيئة أو مجموعة خطايا جسدت بخروج البيض بكميات كبيرة من فمها ، ذاك البيض قد يمثل أيضاً ” كمية ” الإيمان بالكتاب المقدس والتي زرعت في روحها عندما رأت أو سمعت شيئاً روحياً متعقلاً بخلاص الإله ؛ لابد أن ذلك ذلك حدث قبل بدأ قصة الفيلم نفسه ، تبعثت الحياة داخل البيضة نتيجةً لـ ” رغبة ” وفضول الشاب المتدين تجاهها وعندها أطلق سراحها بالكامل ، التغير الذي طرأ على الفتاة يقتبس مباشرةً نص المسيح بالكتاب المقدس في ” الممر الضيق ” (متى 7: 13 ، 14) وتحولها لهيأتها الروحية الناضجة ، الإستعارة التي حصلت أشبه بنباتٍ ناضجٍ ينتج رؤوساً من الحبوب ، لكن أوشي إستبدل الحبوب بالبيض ربما فعل هذا لأجل ربطها مع إستعارة الطائر والسفينة .

ثانياً / البيوض المحمولة على سيقان النبات :

– في الجزء الأخير من الفيلم نرى أعمدة تبدو وكأنها سيقان نباتات تحمل فوقها بيوضاً كبيرة في داخلها طيورٌ لم تولد بعد ، على الأرجح أنها تمثل الوجود الروحي الذي ينتظر تكون هيئته الكاملة في الحياة الآخرة ، حيث يصبحون ” قديسين ” ويبلغون هيئتهم الملائكية ( الطير المحلق دلالة على الملائكة )كما تمت الإشارة لهذا في نهاية الفيلم وتلك الإشارات أو الأدلة هي :
1- ظهور البيض العملاق بعد زراعته ( كسر الشاب للبيضة ) من قبل الشاب المتدين .
2- تشكل تمثال الفتاة بهيئتها الملائكية على ” العين العملاقة ” كتعزيز لمفهوم اللاهوت .

– النقش الحجري الذي يشبه جذور النبات النامية حاملة في آخرها ما يبدو وكأنه بيوض قد وصفها الشاب المتدين على أنها  شجرةٌ عظيمة امتصت الحياة من الأرض وإرتفعت بأغصانها عالياً كما لو تريد بلوغ شيءٍ ما ؛ إن مزيج الشجرة والبيض مع حديث الشاب المتدين عن شجرة الحياة يصورها على أنها رمز المسيحية الحقيقة وتداعياتها الروحية ؛ ويعطينا الإحساس بأن مزيج الشجرة والبيض هي المرحلة النهائية لمسار تطوري يشمل الطاقة والمادة وأخيراً الكائنات الحية والتي بدورها تنبعث في البداية من روحٍ نقية ( ربما إشارة لهبوط العين العملاقة ) ، ولكن على مدى الدهور وجهدها المضني للعودة إلى منشئها حتى تعض اليد التي تطعمها في النهاية ؛ البيض الموجود على نهايات أغصان الشجرة والذي يحمل بداخل الفراخ التي لم تولد بعد ، فكل واحدة من تلك البيوض ربما تمثل الروح البشرية التي سيحافظ عليها خلال أهوال يوم الحساب على سفينة نوح ( بمعنى أن المسيح أشبه بسفينة روحية لإرشاد الأرواح ) ثم يتم تمجيدها بوضعها ضمن التماثيل على سطح ” العين العملاقة ” كما رأينا في النهاية ؛ بعبارةٍ أخرى فإن البيض الكبير  يمثل الخطوة الثانية وصولاً للأخيرة لبلوغ الهدف الأسمى من الحياة والكون وكل شيء وهذا يشمل التماثيل الميتة ” النائمة ” الذين ينتظرون تمجيدهم الأسمى . المرحلة الأخيرة تتمثل في التمجيد الفلعي أو بلوغ درجة القديسين ودخولهم في اللاهوت ، ففي نهاية الفيلم نرى سطح اللاهوت ( العين العملاقة ) قد غطي بالوجود الدائم ” الأبدي ” للقديسين ومن بينهم الفتاة الصغيرة .         

           

ثالثاً / الشاب :

– في الفيلم صورت شخصية الشاب الذي يحمل صليباً على كتفه بأنه إشارة للطائفة المتدنية والتي يغمرها حب المسيح ، نشاهده في البداية وهو واقف على أرضية شطرنج موجهاً رأسه نحو ” العين العملاقه ” ( والتي يعتقد بأنها تمثل اللاهوت وقدرة الإله الأب ، بما أنها هي من أرسلته ) بعدها يقابل الفتاة لأول مرة بعد نزوله من موكب غريب من الآلات الميكانيكية التي تبدو كدبابات بفوهاتٍ طويلة جداً ( أشبه بالقضيب ) ، والتي على الأرجح أنها تمثل اليهودية القديمة في إشارةٍ إلى سفر متى 11:12حيث ذكر فيه تقدم مملكة الرب بقوة القانون والأنبياء ؛ هذا يفسر وجود الآلات الحربية الشبيهة بالدبابات ومظهرها الذكوري المميز .

– يحمل الشاب صليباً على ظهره ويلف يداه بالضمادات وهما يعتبران تذكيراً مباشر بالمسيحية وما يتعلق بها من مفاهيم وأساطير إلخ…

– التفسير الأول / في هذا الفيلم تحديداً يتم تسليط الضوء على شخصية الشاب المتدين بطريقة سلبية واضحة ، في البداية يخبر الفتاة بأنه سيحميها وفي النهاية يكسر بيضتها الثمينة ويتركها لوحدها ، تبعاً لهذا التفسير فإن البعض قد اعتقد بأن بيضة الملاك هو إنعكاس لنظرة أوشي الشخصية للمسيحية والتي يبدو بأنها سلبية أيضاً .  

– التفسير الثاني / رأي آخر ينظر للشاب بنظرة إيجابية جداً ، كونه رفيق الفتاة وحاميها في عالم مخيف وموحش أشبه بالأوهام ، وتحقيق مالم تكن لتفعله بمفردها ، قام بسكرها مستخدماً صليبه للقيام بذلك ، إشارةً لسفر متى 16:24 فإنه يشرح دوافعه لقيامه بكسر البيضة ، فبدون فتحها ربما لن يدرك أحدٌ حقيقة ما يقبع بداخلها ، متغلباً على أنانية الفتاة للحفاظ على البيضة ( بذور الإنجيل ) مخفيةً عن الأنظار بملازمتها وكسب ثقتها ، ربما تكون في ذلك إشارة لتعبير ” إتباع المسيح ” أو ” العيش بروح المسيح ” .


رابعاً / الصيادون والسمك :

التفسير الأول / الصيادون والسمك يعدون رموز مشهورة الإستخدام في الميثولوجيا المسيحية .

التفسير الثاني /  يقول تفسير آخر بأنه في تلك المشاهد بالذات ، فإن ظلال الأسماك المتحركة تنتمي لأجناس منقرضة ، وبالتالي يمكن تفسيرها على أنها ظلال للأشياء التي كانت على قيد الحياة في يومٍ من الأيام ، لكنها الآن إختفت من الطبيعية وانقرضت ؛ وتطبيقاً للإستعارة الروحية فإن الظلال تشكل هيآتٍ زائلةٍ وربما حتى شيطانية ، وهي تتناسب جيداً مع مفهوم الأوهام الشيطانية ، لأنه يعتقد بأن الشياطين هي” الملائكة المنفية ” ( ” منفي ” أي أنه عصى أوامر أو توجيهات الرب وبالتالي تم طرده من السماء ، ولكنه عثر في عالم البشر البيئة المناسبة لنشر عبادة الوثنية بينهم ،كما ذكر في سفر متى 12:43-45 ) . تلك الظلال تطارد بحماسة من قبل رجالٍ حاملين معهم رماحهم  ، لكنهم لم يستطيعوا إمساكها أو الشعور بها وبالتالي لم تتحقق رغبتهم الشديدة ولم يسد جوعهم ؛ يرحج أن تكون الرماح تجسيداً للروح البشرية ( الإرادة والضمير )مطلقة نفسها نحو بيئتها ، في محاولة لبناء إرتباطاتٍ روحية ووجدانية تجاه الأشياء الزائلة مثل المشاعر ، الملذات ، المخاوف ، الرذائل ، الإدمان ، الأوثان ، إلخ… ، وعلى النقيض من ذلك فإن السمكة ( لوحة السمكة الزجاجية ) التي بالكنيسة القوطية كانت ملونة ومفعمة بالحياة ، وحتى أن الفتاة كانت تشع بياضاً أثناء تحديقها بها ، في حين أن ظلال الأسماك المتحركة قد تمثل على الأغلب الأهداف الزائلة والمطاردات الغير مجدية والتي تتجه جميعاً نحو الفناء ، فإن السمكة الملونة ربما يراد بها تمثيل جسد المسيح الحي في حيويته ونموه وتكيفه وبقائه حياً دائماً وأبداً .


خامساً / الماء :

الماء عنصر أساسي وغامض وهو مرتبط كثيراً بعلم دراسة رموز الكتاب المقدس ( علم اللاهوت ) حيث يتم عرضه باستمرار طيلة الفيلم ، بدايةً ينزل الإله للمحيط ( العين العملاقة ) محدثاً أمواجاً وفي هذا دلالة على بداية الخلق ، حيث يرسل رمز الدلالة للمسيح ( الشاب ذا الشعر الأبيض ) إلى الخلق المتكامل ( الإله الممجد ) عن طريق تجميع الأرواح البشرية ( في إشارة لسفر أشعياء 55:11 ) كما رأينا بالفيلم ؛ يرجح أن الماء رمز للدلالة إلى الروح وتحديداً الروح القدس ، ففي البداية نرى الفتاة تجمعه في قوارير صغيرة ، ولكن في لحظة منذرةٍ مبكرةٍ بالفيلم ، نرى الفتاة تحدق في انعكاسها بالبركة تتخيل نفسها مغمورةً كاملاً بالماء ( يلي ذلك لقاؤها مع الشاب المتدين ) ، في نهاية الفيلم نرى طوفاناً من الماء يغمر كل ما بالمدينة وفي خضم هذا تغرق الفتاة بفعل الطوفان بينما كانت تلاحق الشاب مجسدةً بفعلها طقوس المعمودية إلى جانب الروح القدس بينما تلاحق طريق هداية المسيح .

سادساً / أحفورة الطائر :

يعتقد بأن أحفورة الطائر تمثل الأرواح البشرية التي بعثها الرب في أجساد البشر ، ومن أجل الظفر بالإرادة الحرة والطبيعة الآثمة نفروا من هداية الرب وارتكبوا الخطايا ؛ وفقاً لما ذكر بالفيلم فإن هذا يقطع علاقة الشخص بالحياة الأبدية في الرب ( الطيور تنسى منشأها وبعدها تموت وتتحول إلى أحافير ) ؛ في أطول جزءٍ حواري بالفيلم تسرد شخصية الشاب المتدين تبايناً في سفر التكوين 8 ، والذي نسي فيه الطائر من أين جاء وربما مات في الماء بمكانٍ ما ، ثم يكافئ بين الطائر الناسي والبشرية ( بما في ذلك نفسه ، مشيراً إليها بـ ” إبن الإنسان ” ) ؛ بعدها بفترة قصيرة يجدان أحفورة الطائر الميت على الجدار والتي ترمز إلى المفاهيم الموجودة في سفر أفسس 2: 1-3 أي ” الموت الروحي ” بسبب البعد عن الرب ؛ هذا التفسير يدعم بشكل أكبر عند قول الفتاة بأن الطائر حي وينمو في البيضة مما جعل الشاب المتدين يشك  في صحة قولها ، لأنه كما رأينا لاحقاً فإنها لم تحتوي على شيء بتاتاً ، أي أن البيضة كانت تجسد بذرة إدراك الخلاص المزروعة فيها ، وأصبحت طائراً حقيقياً فقط عندما أثمرت بفعل الشاب المتدين ، ولهذا فإن الطائر يمثل الروح البشرية التي خلقها الرب في البداية ( الطائر المرسل من السفينة ) وسقوطها في الخطيئة ( نسيان الطائر للرب وتحوله لأحفوره ) ، ولكن بعد هذا يعود تائباً مجدداً للرب من خلال الإبن ( إستخدم الصليب لزرع البذور ومن ثم تظهر الشجرة العملاقة المحملة بالبيض ) .

سابعاً / السفينة ( سفينة نوح ) :

قرابة بداية الفيلم نلاحظ ظل سفينة والتي يفترض بأنها المكان الذي تتردد عليه الفتاة ، كما فوجئنا بالمشهد الأخير حيث نرى السفينة مرة أخرى ولكن من لقطة بعيدة ، فيعتقد بأن في ذلك دلالة أخرى على علم دراسة الرموز ( علم اللاهوت ) حيث تم أخذ قصة سفينة نوح بتجاهل تفاصيلها التاريخية ووضعها بالفيلم بشكل استعارة رمزية ؛ ربما أوشي قد استوحى الفكرة من رسالة بطرس الأولى رقم 22-3:20 وتحديداً ما يتعلق ببدعة الخلاص في لحظة ، حيث يعبر عن السفينة ( سفينة نوح ) بأنها حافظة وحامية للروح البشرية ( الإرادة والضمير ) في خضم ” طوفان ” روحي أو معمودية لبقية الروح ، بينما تطهر التأثيرات الشيطانية .

مع ابتعاد زاوية الكاميرا في المشهد الأخير نرى ما يشبه سفينة عملاقة ، والتي ربما أنها أيضاً تجسيد لخلاص المسيح ولكن على نطاق أوسع ؛ يحتفظ بما تبقى من الأرواح البشرية خلال أهوال يوم الحساب بتكريس أنفسهم للرب عن طريق إتباع تعاليم المسيح ، ولكن الأمر ليس محصوراً فحسب ببقايا البشرية بل هو إصلاحٌ يشمل الكون بأكمله ، وتلك فكرةٌ يحتمل بأنها مستوحاة من مكتوبات الرسول بولس للروم ويصف فيها الغاية الأسمى من الوجود.

ثامناً / الفتاة :

لا شك بأن الفتاة هي إنعاكسٌ لصورة شخصٍ غير ناضجٍ روحياً وربما تكون مجرد طفلةٍ في الحقيقة أيضاً ، حيث تظهر لنا في الجزء الأخير من الفيلم كجزء من اللاهوت ( تمثالها على سطح العين الضخمة ) متشكلةً في هيأتها الطفولية عوضاً عن هيأتها الناضجة كحال العديد من التماثيل الأخرى معها ؛ تجوب الفتاة المدينة الموحشة حاملةً البيضة بطريقةٍ تجعلها تبدو وكأنها حامل في إشارة للإستعارات السابقة والتي تنمو فيها بذرة الإنجيل داخل الشخص ، مترسخةً في أرواحهم ، وفي النهاية تؤتي ” تَلِد ” ثماراً أكثر مما قد زرع . (سفر متى  13:23)

* ختاماً :

فيلم ” بيضة الملاك ” أحجية طرحها أوشي للمشاهدين جسد بها مفهومه تجاه الإنجيل والديانة المسيحية ، حل هذه الأحجية لم يكتشف بعد فكل من يشاهد الفيلم يراه بطريقة مختلفة عن الآخر ، حتى ما كتب في هذا المقال ليس بالضرورة أن يكون هو التفسير الصحيح له فهو كغيره من التفاسير مبنية على اجتهاد من قبل المهتمين في كشف معانيه وبالتي قد يصيبوا في بعض نقاطهم وقد يخطئوا بالأخرى ، أتمنى أن يكون هذا المقال قد أفادكم ولو قليلاً في فهم معاني ورموز هذا الفيلم الرائع واعذروني عن أي خطأ أو هفوة مني أو أي فقرة مبهمة فأنا قد حاولت إيصال المعلومة بأوضح ما يكون لكن ذلك لا يغني عن بحث القارئ بنفسه عن التفسيرات الأخرى المحتلمة والتي قد تعطيه فكرة أفضل عن العمل  .

* مراجع قد تهمك :

– مقابلة أوشي في مجلة Animage سنة 1985 أي بنفس سنة إخراج فيلم ” بيضة الملاك ” :

http://eigageijutsu.blogspot.com/2016/02/interview-with-mamoru-oshii-on-angels.html

– مقابلة أوشي مع كارل جوستاف في 1996 يتكلم فيها تأثره بالإنجيل وكيف إستلهام أفكار منه لوضعها في ” بيضة  الملاك ” وأيضاً عن أعماله الأخرى :
http://listification.blogspot.com/2016/02/mamoru-oshii-interviewed-by-carl-gustav.html

-المصدر :
http://eigageijutsu.blogspot.com/2010/04/angels-egg-simbolism.html

0

رأيك في المقالة

تقييم المستخدمون: 4.02 ( 21 أصوات)
اظهر المزيد

Akira Shido

مترجم أحياناً وكاتب في أحيانٍ أخرى ، تجذبني الأعمال الفنية الفريدة بالمحتوى والهدف .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق