أنمياتالمراجعات

Ascendance of a Bookworm – طُموح القراءة في عالمٍ خالٍ من الكُتُب

أورانو، فتاةٌ شغوفةٌ بالقراءة مهووسةٌ بالكتب، حلمها أن تُصبح أمينة مكتبة، وفي اليوم الذي نالت فيه هدفها، كان الموت مصيرها، ولكنّها أثناء ذلك تمنّت أُمنية، بأن تكون قادرة على قراءة الكتب في حياتها التالية، وبالفعل انتقلت لعالمٍ آخر على هيئة طفلة، لكن  لم تجد  الكتب التي كانت في مخيّلتها، فتعهّدت أن تصنع كتابها الخاص، من نقطة الصفر.

* لا يُنصح بقراءة هذه المراجعة إلا بعد متابعة الموسمين *

بداية هونزوكي اعتيادية، تسليط الضوء المباشر على انتقال البطل من عالمه الحقيقي إلى عالمه الجديد هو أمرٌ شائع في نمطِ الايسيكاي، وهذا ليس خيارًا سيّئًا أبدًا، خصوصًا في هونزوكي، إذ تُبِعَ ذلك باستعراضٍ سلسٍ لحال ماين (بطلتنا) بعد الانتقال، ومحاولتها السريعة في كشفِ ما حصل والتكيّف مع الموقف بعد ذلك. 

رافق هذه المحاولات صراع نفسي داخلي، بين ذاتها الحاليّة والسّابقة، ولكن هذا الصراع لم يُكتب لهُ الدّوام وانتهى سريعًا، فبدأت ماين بتقبّل ما هيّ عليه مُبكّرًا، مع استمرارها في محاولة خلق البيئة التي اعتادت عليها سابقًا، واللهث خلف الكتب.

تقديم العالم وشرحه كان تدريجيًّا، فنحن نحصل على المعلومات فقط عندما تحصل عليها ماين، وإن أتتنا معلومةٌ ما دونَ علمِ ماين فلن يدوم هذا الاحتكار إلا بُرهة، إلى حين ظفر ماين بها، فتعود الأوضاع كما كانت، معلومةٌ مُشتركة لكلينا. 

هذا الأسلوب في التقديم خَلَقَ جوًّا من التشويق، فمع كل حلقة تشاهدها، تخطو فيها قدمك إلى الأمام، تتعمّق في العالم وتنكشف أمامك خصائص هذه البيئة أكثر، بكل فروقاتها وتناقضاتها، فترى تفاعل ماين مع كل ما يحدث حولها، وتفاعل الآخرين مع ما تُحدِثُهُ ماين

النوع هذا من التشويق، عوَّضَ غياب الجذب في الأحداث، وتحديدًا في نصفِ الموسم الأول، فأغلب الأحداث حينها بسيطة، والعُقَد فيها تُحَل بعد حينٍ قصير، ومع تتابع الحلقات، ستعتاد على هذا النمط، ولن تنتظر إنقلاب الأحداث المفاجئ، لأنّ الخط المرسوم لها -للأحداث- بعيد تمامًا عن هكذا أسلوب، أستطيع تفهّم ذلك، وممّا يجعلني أتقبّل هذا الأمر أكثر، هو تواجد عنصر بديل، يُغني ويَسِد، ألا وهو تقديم العالم المشوِّق، وكما هو مذكور في الفقرات السابقة.

في وقتٍ لاحق، ظهرت بعض المحاولات لكسر الرتم، ولكن أغلبها فقيرة وغير موفّقة؛ لأن تأثيرها لا يدوم، وسرعان ما يعود الرتم كما كان. أستطيع تشبيه عموم هذه المحاولات بالفان سيرفس، موجودة لإرضاء ثُلّة من المتابعين، إذ لا داعي لوجودها من الأساس.

وفي المرّات القليلة التي وِجِدَ فيها الداعي، غابَ التنفيذ الصحيح، وكان مصير التحوّلات المفاجئة هذه، الركود المفاجئ!

ومن باب العدلِ والإنصاف، يوجد تحوّل أو إثنين جيّدين، وأثرهما يمتد لِما هو قادم. 

رغم الإيجابيات العديدة لهذا الأسلوب التقديمي للعالم، تظل هناك مشكلة بارزة، وهي ظهور الخيال بشكلٍ مباشر ومفاجئ، بدون تمهيد أو توضيح، لم يكن الخيار الأنسب، ولم يقتصر هذا على الظهور الأول، بل على معظم حالات ظهوره، فأنت لا تعرف حدوده، ولا مكانته الحقيقية في هذا العالم، ممّا يفتح المجال لظهور أي شيء مستقبلًا، مهما كَبُرَ مظهره وعَظُمَت قدرته. 

ربّما المعلومة المفيدة الوحيدة التي نعرفها عن هذا الخيال، هو أنه مرتبط بالسحر غالبًا، ولكن لا علم لنا بخصوص هذا السحر شيئًا.

في رحلة ماين لتحقيق هدفها، لا بُدّ من أن تلفح عاصفة الصعوبات وجهها، وتتوالى العقبات في الظهور أمامها، هذه الصعوبات والعقبات ظهرت، ولكن للأسف، كثيرًا ما تكون صدفة، أو حدثٌ غير مقصود، وللأسف -مرةً ثانية-، تنجح بعض هذه المحاولات في ثني ماين -ولو مؤقتًا- عن سعيها.

شخصية كـ ماين، ذات عزيمة وإرادة، لا يجب أن تتأثر إلا بوجود أمر طارئ يفوق قدرتها، ولكن الغريب هو أنها تتجاوز العقبات العملاقة، وتقف عاجزة أمام ما هو أدنى! 

هذه المشكلة تختفي عند نقطة معينة من الانمي، غير أن مشكلة أخرى -متعلقة أيضًا بـ ماين– تظهر للسطح.

فمع الوقت، تتحول ماين لكائن غير قابل للهزيمة، دخولها في أي حدث يعني ميله إلى جانبها بشكل قاطع، وفي أعتى المفاوضات تأخذ هي الكفة الأثقل دائمًا، وبعيدًا عن كون هذا الأمر منطقي أو لا -لأن محور النقاش ليس هنا-، سبَّبَ هذا انخفاض حاد في مستوى الترقّب، وأصبح وجود ماين في الأحداث المفصلية غير محبّب لي كمشاهد، وفي المرة الوحيدة التي بقت فيها ماين خارج الإطار -لوقت قصير- استمتعت أيما استمتاع، لأنه ولأول مرة خلال الموسم الثاني رأيت حدث متوازن الكفّتين.

لا يعني هذا أن ماين شخصية سيئة أو نحو ذلك، بل أن هذه السلبيات لا تمس جوهر ماين كشخصية، إنما هي مشاكل “مُتعلّقة” بشخصية ماين.

أمّا ماين الشخصية، فهي ممتازة، ذكية بما يكفي لترعى مصلحتها وادامتها، وذكية أيضًا في استغلال الظروف وتسيير الأمور لصالحها مهما كان الشخص الذي يقف أمامها، والنقطة الأبرز في ماين، والتي برأيي هي النقطة الأبرز في العمل ككل، هي علاقة ماين بمحيطها من الأشخاص، تعاملها معهم وتعاملهم هم معها، طريقة استكشافها للعالم الجديد كليًا، ومحاولاتها الدائمة في كسر القيود المفروضة عليها، خصوصًا كونها طفلة في بيئة تعُج بالقيود إضافةً لقيودها الصحّية الشخصية. 

ورغم الزاد الهائل من المعلومات الذي تمتلكه ماين، لم يشفع لها هذا من الوقوع في الخطأ، فهي لا تمتلك المهارات الاجتماعية الكافية للتصرف في المواقف التي تتطلب قدرًا معينًا من المرونة أو القدرة على اختلاق الأعذار، فنراها كثيرًا ما تتعرض للتوبيخ على أبسط الأمور واتفهها، وهذا كله بسبب كونها “عثّةُ كُتُب”، وَهَبَت حياتها السابقة للأوراق المُحبّرة. ويجب التنويه على إن أغلب هذه المواقف عابرة، غرضها آني فقط ولا استمرار لتأثيرها.

امتلاك شخصية كـ ماين، شخصية غنيّة بكل هذه الصفات، يُحتّم استغلالها في بناء القصة وتسيير الأحداث، وهذا شيء منطقي نراه في كثير من الايسيكاي، إذ يكون البطل نواة العالم تقريبًا ومحور أحداثه، وأذكر من ذلك Overlord. وحتى خارج الايسيكاي هناك أمثلة عديدة على ذلك، كما في انمي Shigatsu wa kimi no uso، إذ كان كل حدث فيه مرتبط ارتباط أصيل بالبطل أريما كوسيه، بل ويكاد يظهر في كل المشاهد أيضًا.

ولكن الاختلاف بين هذين الانميين وبين هونزوكي، هو أنهما أوجدا حلولًا نموذجيّة لتقييد هيمنة البطل، سواءً من خلال إعطاء دور أكبر للشخصيات الجانبية، أو خلق بيئة غير مريحة تحيط بالبطل مع وجود هاجس نفسي يمنعه من التقدّم للأمام.

ولمعالجة المشاكل التي ظهرت بسبب ماين ووجودها الدائم على الشاشة وتصدّر جميع الأحداث الرئيسية، هناك ثلاث حلول مقترحة:

أولًا: ابعادها عن محورية الأحداث قليلًا، لخلق تشويق يُجبر المشاهد على ترقّب ظهورها مجددًا، ولكن استبعد حدوث هذا مستقبلًا.

ثانيًا: إبراز دور أكبر للشخصيات المساندة، وتصديرها لقيادة الأحداث الرئيسية، مما يخلق توازن من خلال تقليل ظهور ماين نسبيًا، وهذا خيار ممتاز، لن يضر بشخصية ماين، ويُمكن تطبيقه خصوصًا في ظِل وجود شخصيات جيّدة كالتي في هونزوكي، إذ بإمكانهم تأدية المهمة بنجاح.

ثالثًا: وضع ماين في مواقف أصعب، تُجبرها على الرجوع للخلف وإعادة الحسابات، والتأثير بشكل مباشر على شخصيّتها والتغيير من طباعها، وبالفعل رأينا بوادر لهذه الخطوة وإن كانت متأخرة.

العنصر الدرامي في العمل لطيف، غير متكلّف عادةً ولا يستجدي عواطفك، ودُعِّمَ بعلاقات فيها بعض العمق والتعقيد، فالتغيّر الكامل والمفاجئ لـ ماين كان له أثره المباشر على تعاملات باقي الشخصيّات معها وتَقبُّل طباعها اللامنطقية بالنسبة لعمرها، فَخَلَقَ هذا علاقات مُركّبة، مبنية على شيء من المصلحة كعلاقتها مع بينّو وفيردناند، أو التفاؤل المفرط كعقلاتها بعائلتها، أو الاستسلام للواقع كما في علاقتها مع لوتز

ولكن حين أُريدَ خلق حالة درامية تُحرّك الجوارح، تمّ ذلك بنجاحٍ مُطلق، وتحديدًا في مشهدين، كانا من أفضل المشاهد في الانمي عمومًا.

وفي الكوميديا، يتكرر حال الدراما نفسه، المراهنة كانت على العلاقات بين الشخصيات في خلق مواقف طريفة، ومضحكة أحيانًا. تعابير ماين لوحدها قصّة، وكذا المعالجة الإخراجية وإعداد إطارات كوميديّة خاصّة، بأسلوب جميل جدًا وفريد، والأجمل في الأمر هو الاستخدام المعتدل لهذه الإطارات، بلا إفراط أو تفريط. 

الإنتاج يغلب عليه طابع البساطة، بسيط في تصميمه وبسيط أيضًا في تنفيذه، بِدءًا بتصاميم الشخصيات وتلوينها الذي يُعطي طابعًا خياليًا جميلًا، وكأن الشخصيّات في قصّة مُصوّرة، دخلت إليها ماين بعد موتها.

أمّا التلوين والإضاءة بشكلٍ عام فهما جيّدين، التلوين متماسك أكثر على امتداد الحلقات، مقارنةً بالإضاءة التي لعبت دور هام في بعض المشاهد وتحديدًا عند الغروب، وغابت تمامًا في أغلب المشاهد الأخرى.

الأنيميشن هو الأكثر تواضعًا، وحتّى مع كون المشاهد الحركيّة قليلة، إلا أنّه لم يبرز لا فيها ولا في المشاهد الإعتيادية التي تعتمد على الحركة الطبيعية. بالمقابل الرسوم الثابتة وخصوصًا رسم الشخصيّات كان جيّدًا جدًا بل وأكثر، ورسم الخلفيات يتراوح بين العادي والمقبول ويخرج من هذا الإطار في بعض المرات ليكون “حليو”.

الموسيقى التصويرية هي الأخرى عادية، غير مميزة أبدًا ولا تُضيف أي شيء للمشهد، وفي حالات كثيرة لا أنتبه لوجودها حتّى، هناك لحن أو لحنين جميلين للغاية، وما عداهما لا يستحق الذكر. 

التأدية الصوتية رائعة، اختيارات المؤدّين مناسبة جدًا للأدوار، والأداء نفسه ممتاز فيما يخص ماين، وجيّد بخصوص لوتز وتوري وفيردناند وبينّو، ولا بأس أبدًا بالبقية.

وقبل الحديث عن الجانب الأهم في الإنتاج، وهو الإخراج، أود التّعريج على عدّة نقاط ليست بتلك الأهمية مقارنةً بغيرها لكنها دليل على حرص المُخرج واهتمامه بالتفاصيل الدقيقة.

تصميم الملابس مناسب ويعكس الفوارق في الحالات الطبقية، فتلاحظ أحيانًا المظهر العتيق للقماش من خلال لمحات سريعة، كلقطات الـ Close Up، بينما الملابس في الطبقات الأعلى تبدو برّاقة، أكثر جمالًا وأبهى مظهرًا.

من الأمور التي ساعدت في خلق هويّة العمل الخاصّة، وكانت جزءًا أصيلًا منه، هو مؤثر الانتقال بين المشاهد، أشبه بتقليب صفحة في كتاب، والاستخدام كان معتدل، فالإكثار منه يعدم الجدّية في القصّة، ويحوّل الحلقة إلى “سكتشات”.

استعراض ماضي ماين كان مميّزًا، ليس في مضمونه القصصي -وهو جيّد- بل في طريقة عرضه، وتصوير العالم الحقيقي. استعمال تصاميم واقعية وأقرب لمظهر البشر، مختلقة تمامًا عن تصاميم العالم الذي آلت إليه ماين. تفصيلة صغيرة كهذه قد يغفل عنها بعض المخرجين، لكنّها هنا ضرورية، خصوصًا للتفاوت الهائل بين خصائص هذين العالمَين.

وختام كل ما سبق، الإخراج في هونزوكي: أستطيع تشبيهه بالحياكة، نَظْم الخيوط ببعضها البعض، ومُواراة التالف منها، لكيلا تفسد القطعة النهائية. ميتسورو مُخرج قضى وقتًا مديدًا في مجال الإخراج، ولا عجب في تمكّنه من نقل هذا العمل إلى برِّ الأمان رغم الضعف الإنتاجي في العديد من جوانبه.

الإخراج نفسه جميل وبسيط، يتماشى مع المحتوى القصصي، وأضاف بلمسات طفيفة عناصر جمالية عديدة، منها نقل الفوارق في حُجوم الشخصيّات المختلفة بتغيير زاوية التصوير فقط، والتنقّل بين المشاهد باستخدام مؤثِّر بصري معيّن – كما ذكرت مسبقًا.

ومجملًا؛ تمكّن الإخراج من خدمة بقيّة الجوانب، ونجح إلى حدٍ ما من معالجة بعض الأخطاء، ولكنّه ظلّ حبيس الحدود المرسومة له، والتي غالبًا سببها شُح التمويل وضعف الطاقم.

الخلاصة: هونزوكي انمي ممتع، يُقدّم تجربة خفيفة تستحق الوقت المقضي فيها، بوجود عنصرَي دراما وكوميديا لطيفَين، وشخصيّات من السهل الارتباط بها، وحتّى المشاكل التي تعتريه هي في الأغلب مشاكل آنيّة، بالإمكان مع قادم الأحداث تلافيها. من الجيّد أن الموسم الثالث قد أُعلِنَ عنه مسبقًا، لذا فالانتظار لن يطول.

التقييم النهائي: 7.5/10

اظهر المزيد

محمد

مُراجع، وكاتب مقالات أحيانًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق