أفلامالمراجعات

الموجة الّتي لا تقتلك، تُقوّيك – Ride Your Wave

في قالبٍ غيرَ قالبه المُعتاد، يعود يواسا للسّاحة، بقصّةٍ بسيطة وشخصيّاتٍ قليلة ومُدّة فيلم أقصر ممّا تتطلّبه الأحداث، يُعلن يواسا برفقة يوشيدا خروجهما من النمطيّة في تصوير القصص العاطفيّة، تحدّيات كثيرة أمامهما هذه المرّة، وهامش النجاح يدنو من الفشل، خيط رفيع هوّ مسار قصّتهما، وهذا ما سارا عليه كذلك في الكتابة والاخراج.

القصّة:

راكبة الأمواج الهاوية هيناكو تقع في حب رجل الإطفاء ميناتو، بعد أن أنقذها من حريق طال محل سكنها. تركيبة بسيطة جدًا كتبتها يوشيدا وتعهّد ماساكي في إخراجها بالطريقة المُثلى حسب نظرته.

“كم اشتقت لأمواج البحر” – “ها قد عادت بطلتي”، أوّل جُملتين لبطلينا نُطقت بالفيلم، أعطت صورة واضحة لطِباع كل شخصيّة منهما، قُصر التّمهيد أتاح مساحة أكبر لعرض الأحداث الرئيسية فيما بعد، لا يعني هذا انعدام التّعريف بشخوص الفيلم بل كان هذا حاضرًا ولكن دون تطويل.

الأحداث سريعة ومتتالية في الثلث الأول، وكأنك تُشاهد ريكاب لعمل ما، بل وكأنّ النصف ساعة الأولى مشهد واحد طويل بسبب سلاسة الرّبط وسرعة التنقّل بين اللقطات. إبداع يواسا يتجلّى هُنا، ايهام المُشاهد برؤية غير حقيقيّة -فهم غير كامل- لما هوّ عليه العمل حقًّا، فبعد نصف ساعة تمامًا يتغيّر كل شيء، ليس قصصيًا فقط بل حتّى اخراجيًّا، الشتاء يصل، السّطوع يبدأ بالبُهتان، الألوان تتحوّل إلى داكنة، والخلفيّات تفقد بريقها، ثمّ إلتواء مفاجئ في الأحداث.

يستمر هذا التّصوير ما دامت بطلتنا في حالة يأس، ضياع وغُربة، مع عودة بعض الأمل ينجلي الشّتاء ويعود كل شيء كما كان، الحيويّة المعهودة نلاحظها من جديد في الإخراج كذلك.

رحلة البحث عن الحقائق أخيرًا؛ ودور الشخصيّات الجانبية في الأحداث يظهر، لم ينالوا الوقت الكافي حتّى هذه اللحظة، ولكن تأثيرهم هنا ملحوظ، سواءً في إرشاد البطلة أو دفعها إلى الأمام قصدًا أو دون. يحين التوقيت المثالي لطرح أفكار الفيلم، وكان طرحًا مباشرًا إلى حد كبير، لم أعتد من يواسا ذلك والتبرير بأنّه ليس الكاتب.

استخدام الخيال كان محصورًا في جانب واحد في أغلب الوقت، قد لا يكون الأكثر منطقيّة ولكنّه مُهم في توصيف رسالة العمل -المباشرة جدًا كما أسلفت ذكرًا-، لا تأسيس واضح له وهذا ما جعله مُزعج وصعب التقبّل خصوصًا في ختام الفيلم.

في الدراما جاء الإختلاف، تمّ الإعتماد على الفعل من دون ردّ الفعل، فالرّهان كان على الحدث نفسه في صُنع التّاثير الدرامي بلا حاجة لإظهار حالة الشخصيّات أثناء وبعد الحدث مباشرةً دون إغفال للتراكمات على المدى الطويل، خيار جيّد وأُخرِجَ جيّدًا أيضًا.

النهاية أتت سريعة، الذّروة والخاتمة ظهرا بمستوى واحد تقريبًا، أي أنّ الحدث أُغلق وهوّ في قمّة تعقيده، وانتهى الفيلم على ذلك. لم أستوعب الهدف من نهاية كهذه ولم تُعجبني بكل الأحوال.

الإخراج:

لم يستغني يواسا عن أسلوبه المُعتاد، فاعتمد على تصاميم بسيطة للشخصيّات كأغلب أعماله، مما يسهّل عليه رسم الحركة فيما بعد.

اللمسات الـ”يواسيّة” حاضرة على طول الفيلم، تصوير المشهد الحواري من زوايا مُختلفة، والإبقاء على ثبات الكاميرا أثناء تحوّل الشخصيّات من السكون إلى الحركة ممّا يُعطي أهميّة أكبر للمكان. واللمسة الأبرز هيّ اللقطات الأرضية، التي تعكس أبعاد المكان بشكل ممتاز، فتُستخدم أحيانًا لتبيان فساحته،

وضيقه في أحيانٍ أخرى.

أما في باقي الجوانب، فكان الإخراج طبيعي يخدم الأحداث كما يجب، مع وجود بعض التنقّلات المبتكرة بين المشاهد أو بين أماكن مختلفة في المشهد الواحد. 

الرّسم والتّحريك:

لا يشوبهما شائبة، والتّلوين رائع بكل تفاصيله. 

الصوتيّات:

نبدأ بالموسيقى التصويرية؛ وهيّ جيّدة عمومًا، بل أكثر من ذلك. هادئة لأنّ الجو يتطلّب ذلك وتمّ اجادتها. النقطة الأقوى هيّ الاستخدام العبقري للأغنية الرئيسية “Kimi ga nagamete iru…”، تقديمها داخل القصّة ثمّ ربطها في الحبكة أبهرني أكثر من أي شيء آخر في الفيلم، اجتهاد مثمر بين الكاتب والمخرج والمُلحّن أخرج لنا نتيجة عظيمة.

المؤثرات الصوتية ممتازة، ومتجانسة مع الهدف الموجودة لأجله، سواء كان صوت خطوات – مطر – حريق – ألعاب ناريّة – تكسّر صحون – انسياب ماء – أمواج بحر، وإلى آخره من المواقف التي تتطلّب دقّة في اختيار المؤثّرات.

أمّا مؤدّو الأصوات؛ فعلى الرغم من كونهم مغمورين وعديمي خبرة في هذا المجال، الإ أنّهم أجادوا عملهم وبإتقان، وأخص بالذّكر رينا كاوايي مؤدية صوت البطلة هيناكو، أمامها مستقبل رائع ان استمرّت في هذا المجال.

الخلاصة: بساطة القصّة لم تمنع الفيلم من إشهار أجنحة الإبداع التي حاكها يواسا ومن معه، ولكن غفلتهم -أو استعجالهم- حطّ من مدى تحليق عملهم، واقتصر على مسافة تستحق المديح إعجابًا لا أكثر، فمشاكل العمل تكاد تكون جوهريّة، الشخصيّات أقل من المتوسّطة في المستوى والنهاية قلّلت من قيمة الحبكة، يظل جيّد مُجملًا وقابل للمشاهدة قطعًا.

التقييم النهائي: 7/10

اظهر المزيد

محمد

مُراجع، وكاتب مقالات أحيانًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق