أنمياتالمراجعات

نصل الخالد – سيوفٌ مُخضّبة بالدّماء.

تطارد القصّة فتاتنا رين، السّاعية للانتقام من قتلة والدَيها وأخذ القصاص بيديها، بعد تدريب عامين تنطلق في رحلتها الدّامية، وتلتقي بالسيّاف الخالد مانجي (قاتل المئة روح)، تتآلف المصالح فيقرران خوض معمعة الانتقام سويًّا، دربٌ تتهاوى على جنباتهِ الجثث هوّ الذي ينتظرهما. 

الإسم: Mugen no Juunin: Immortal 

عدد الحلقات: 24

الاستديو المُنتج: LIDENFILMS

المُخرج: Hamasaki Hiroshi

تاريخ العرض: Oct. 2019

بدأت في متابعة العمل دون توقّعاتٍ مُسبقة، لم أطّلع على أي آراء ولم يمر في طريقي إحداها،  قد يكون علمي الوحيد هوّ صيت المانجا القوي عند القرّاء، عدا ذلك فالجهل يسود، والجهل نعمة في هذه الحالة، فالتصوّرات المسبقة ضارّة جدًّا في كثيرٍ من الأحيان، وربّما في أغلبها. 

رغم ذلك، تبدّد كل شيء عند مشاهدتي للحلقة الأولى، فلاحت آمالي عنان السماء، حلقة أقرب لأن تكون مثاليّة، بناء سريع أتاح عرض المطلوب دون تطويل، ودخول مباشر في مسار القصّة، الانتقام الذي بدأت ريحه تعصف في وقتٍ مبكّرٍ جدًّا. أحببتُ هذه الحلقة. 

سرعان ما يتّضح أسلوب السرد، حدث جديد كل حلقة تقريبًا (إيبسودك)، خيار مناسب لقصّة من هذا النوع. كانت الحلقات تتّخذ مسارًا سلسًا، خطّي تقريبًا. ولكن ظهر تفاوت في مستوى الكتابة من حلقة إلى أخرى، وهذا شائع في هذا النوع من السرد. يستمر هذا العرض خلال الحلقات الست الأولى. 

يتغيّر كل شيء في الحلقة السابعة، الحلقة الأكثر تكاملًا والأفضل من بين نظيراتها الـ24.

لو بدأت في ذكر امتيازات هذه الحلقة فعلى الأغلب لن أنتهي إلا بحدود عشرين سطرًا بأقل تقدير، لذا سأكتفي بقول أنّها خلقت مسارًا جديد كليًّا للعمل، مسار زاد فيه التعقيد وأتاح خيارات أكثر ليبدع فيها الكاتب، كما أنّها تحتوي على أفضل مشهد في الانمي (المشهد الختامي)، مشهد عظيم فكرةً وإخراجًا.

خلال الحلقات التالية (وحتّى السابقة) تتّضح الكثير من الأمور، شخصيّة رين المهزوزة ذات المبادئ الطريّة، بين حقدٍ يدفعها نحو الإنتقام وعاطفةٍ تعتصرها ضد أعداءها حتّى، فهي لم تزل طفلة، قناعاتها في طور التشكّل. 

في المقابل شخصيّة مانجي أقرب للإتّزان، يُسيّره المنطق غالبًا، محاولًا كبح نزوته للقتل. ليس بطلًا مثاليًّا، لكنّه ناضج. 

صراع الايتّو-ريو والموغاي-ريو هوّ الوجبة الرئيسية في هذا الآرك (7-12)، شخصيّات أكثر جعلت بقعة الضوء تنتشر على مدىً أوسع، اهتمام أكبر بالقتالات التي حملت أطباعًا مختلفة، ولكن جميعها تلتقي عند أصلٍ واحد هوّ الانتقام. 

لم يعد الثنائي البطل (رين ومانجي) همّا المحرك الوحيد للأحداث، بل أصبحا أفراد في مجموعة. 

عمومًا هذا الآرك ممتاز، فيه تنوّع أكبر من الحلقات الست الأولى، سرد أفضل وشخصيّات أكثر أهمية، لا عدو مستمر ولا حليف دائم، شخصيّات تسيّرها الأهواء. القتالات ممتعة جدًّا رغم بعض المنغّصات، سوف أتطرّق لتفاصيلها لاحقًا.

لو أردت ذكر مشاكل الآرك، فهيّ مشكلة واحدة لكنّها مؤثرة، الإنقلاب المفاجئ للشخصيّات، دون تمهيد أو تبيان متسلسل للأسباب، تحوّلات غير منطقيّة في أحيانٍ عديدة، والسبب في اعتقادي يعود لسوء الاقتباس، قد يكون استعجالًا ممّا جعل الشخصيّات تبدو متناقضة في المواقف التي لا تحتمل ذلك، هذه المشكلة موجودة في أغلب فترات الانمي لكن النقطة السوداء أوضح على الورق الأبيض من غيره. 

بعد انتصاف عدد الحلقات، ندخل مسار جديد يعود فيه رين ومانجي إلى محوريّة الأحداث، وأخص بالذّكر مانجي، الذي كان خلوده غاية كل حدث، تركيز على الجانب النفسي لبعض الشخوص، محاولة لم تكن ناجحة، جمود الأجواء خلق مللًا شديدًا، خمس حلقات بلا طعمٍ أو لون، خصوصًا أنّ الخلود الذي بُنيت عليه الأحداث لم يحصل على التوضيح الكافي بشأن خصائصه، جودة أقل في جميع الجوانب مقارنة بما سبق، هذا كان حال الحلقات بين (13-17).

الآرك الأخير هوّ ميدان لتصفيّة الحسابات، التي لا تُحل إلّا بالقتل، الأحداث سريعة ولم تدع مجالًا لتنفّس الشخصيّات ومعهم المتابعين -هذا من بابٍ إيجابي-، أمّا من الناحية السلبيّة فهذا التسارع الكبير بالأحداث أعدم جميع فرص تقديم الشخصيّات، وأعني الجديدة منهم، فكانوا عبارة عن أدوات دخلت للمعركة لغرض الموت فقط، لا أعلم إن كانت هذه المشكلة من المؤلف نفسه أو خلل في الاقتباس. القنالات في هذا الآرك كثيرة وجميعها على وجه العموم جيّدة، وبعضها ممتاز. نهاية العمل مناسبة، وإن أتت أسرع من اللازم، ولكن هذا منهج الإقتباس منذ البداية.

القتالات تطغى عليها الجدّية، نيّة القتل حاضرة دائمًا عدا حالات شاذّة، ليست استعراضية كما الحال في Samurai Champloo وفي نفس الوقت أقل حدّة من قتالات Ninja Scroll، أي هناك متّسع للحوار بين الأنداد. ميكانيكية القتال ممتازة، تنوّع بالأساليب والأسلحة، وتنوّع ببيئات المعركة ممّا يؤثّر على مجريات القتال، وحتّى المبارزات الفرديّة لا تشترط عدم تدخّل جهات خارجيّة. ولكن تظل المشكلة الكبرى بالإنتاج، فالتحريك متواضع وزوايا التصوير خادعة تمامًا، لا تُظهر الساحة بشكلٍ كامل وتعتمد على اللقطات القريبة من الشخصيّات لتفادي الكوارث في الرسم والتحريك، على الرغم من بعض المحاولات الإخراجية  لتزيين الموقف بصورة إيجابية إلا أنّ المشاكل تظل موجودة وملحوظة. لا يمكن التغافل عن أهمية التحريك في هذا النوع من المشاهد، بل هوّ العنصر الأهم بعد تصميم القتال، والتصاميم الممتازة يقل بريقها حتمًا إن كان التحريك هزيل. 

الشخصيّات كثيرة ومتنوّعة الطباع والأهداف، إتقان كل واحد منهم لدوره الموجود لأجله على الرغم من التحوّلات لدى بعضهم. ومجددًا الاستعجال في الاقتباس كان سلبيًّا مرة أخرى وهذه المرة الضحيّة تقديم الشخصيات، البارد غالبًا والذي لا يعكس أهمّيتهم، لا أقصد مكان ظهورهم أو حالتهم لحظة الظهور، لأنّ هذا يعود لرؤية المؤلف نفسه وإنما أقصد التمهيد المسبق والبناء لحين بروزهم في الحدث، هذا الخلل ملحوظ في الآرك الأخير خصوصًا. 

الحوارات جميلة، بعيدة عن التكرار والتقليد، تعكس حال الشخصيّات وطباعهم، فيها نبرة القوّة حين تجب، وتكون ليّنة في المواقف التي تتطلّب. استمتعت بحوارات كاغيمورا عامّةً، لغته شديدة حازمة كشخصيّته تمامًا، مفرداته موزونة فيها جمال للمسمع قبل كل شيء، كأنه يتقوّل شعرًا دون أن يُدرِك. أمّا كاغيهيسا فتمنّيت أن أرى له حوارات أكثر، حواراته مع رين جيّدة لكن غير كافية برأيي، كثيرٌ من دوافعه بقيّت دفينة دونَ توضيحٍ منه، والحوارات كانت ستكون كفيلة بذلك. بينما بطلنا مانجي فهوّ أبسط من كلِّ ما ذُكِر، ما يدور بعقله يخرج من لسانه مباشرةً، أشبه بالطفل تقريبًا. شيرا المريض المعتل نجد أنّ كلامه يطابق أفعاله بالحرف، لا حرمة لشيء أمام نزواته، ولا يخجل من الإفصاح عن دوافعه حين يضطر، ولا يحاول إيجاد مبرّرات أبدًا، متقبّلٌ لواقعه برضىً تام.

الفلاشباك شبه معدوم، وإن وِجِدَ فهوّ خاوي لا يحمل قيمة، كثير من الغوامض احتاجت إلى فلاشباك لتوضيحها وهذا لم يحصل. ماضي مانجي وسبب خلوده، تاريخ الصراع في الايتّو-ريو، وأمور أخرى كثيرة. 

مع أنّ تصنيف العمل “دراما”، لكن لم ألحظ وجودها أساسًا فضلًا عن تأثيرها. ليس شرطًا وجود عنصر الدراما في عملٍ ما لكن ذكره ضمن التصنيفات ثمّ إهماله أمر غريب. 

ختام الحلقات كان رائعًا، توقيتًا وأسلوبًا، دمج المشهد الختامي مع أغنية النهاية أبهرني على امتداد الحلقات، هذه النُقطة تُحتسب للمخرج حتمًا. 

وتعقيبًا على بعض الجوانب الإنتاجية، فالموسيقى ضعيفة ووجودها نادر جدًا، لا أذكر وجود أوست مميّز عدا واحد تقريبًا، وحتّى المؤثرات الصوتية الطبيعيّة تكاد تنعدم رغم بيئة العمل المُتطلّبة لذلك.


رسم الشخصيّات عادي، ليس مميّزًا ولا سيّئ، أمّا في الحركة فهوّ متواضع يسلب من الموقف بعض قيمته.

التلوين بارد ومناسب لأجواء العمل، رسم الخلفيّات متذبذب مع وجود بعض اللقطات الرائعة.

الأداء الصوتي ممتاز لجميع الشخصيّات، ساكورا أياني كانت الأفضل خلال تأديتها لدور رين، وتسودا كينجيرو لم يبخل مع مانجي كذلك، وهكذا مع البقيّة. مُخرج الطاقم كان موفّقًا تمامًا في اختياراته. 

لا تحفّظ في المشاهد الدمويّة، ولا حجب، ورغم المبالغة أحيانًا في الكميّة، إلّا أنّ المُجمل مقبول وخادم للسياق الموضوع فيه. 

هاماساكي هيروشي من خلال إخراجه لهذا الانمي، لم يأتِ بالمأمول منه بصفته مخرج متمرّس وصاحب تجربة واسعة بالصناعة، ولكن لا أستطيع كب اللوم عليه فقط، فهذه المشاكل الكبيرة والكثيرة بلا شك يتحمّلها المُنتجين بشكلٍ أساس، ولا أجحد حق هاماساكي في بعض لمساته الموّفقة كما ذكرت سلفًا حول معالجته لموضوع التحريك السيّئ لقلّة الإطارات المرسومة. وكذلك اجادته في ختم الحلقة بأفضلِ هيئة.

كلمة أخيرة: الاقتباس السيّئ لا يختلف عن الكتابة السيئة، والكتابة الجيّدة لا تكفي لوحدها دون اقتباسٍ يظهرها بصورتها الحسنة -هذا إن لم يرفع من قيمتها أساسًا-. لكن..  يظلُّ غريبًا بالنسبة لي أنّى لهذا الانمي أن يبقى واقفًا على قدميه مع كثرة مشاكله -الاقتباسيّة تحديدًا-، هل القصّة فعلًا بموضع قوّة يؤهلها لذلك؟ لن أستطيع الجزم بهذا الآن، ولكن ما بمقدوري تأكيده هوّ أنّ المؤلف لديه ما يستحق التقديم قطعًا، كتابة كالتي في الحلقة السابعة، أو التاسعة يستحيل أن تكون صدفة، ويبقى التساؤل… لو كان الاقتباس أفضل، هل كنتُ لأرى حلقاتٍ سابعة؟

التقييم النهائي: 7/10

اظهر المزيد

محمد

مُراجع، وكاتب مقالات أحيانًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق