مقالات

مفهوم الرّسوم الرقمية CGI واستخداماتها وأثر المؤثرات البصرية VFX عليها

وفَّرَ التطور التكنولوجي إمكانيات متزايدة ولا محدودة لصنّاع الرسوم المتحركة حول العالم، وفي اليابان تحديدًا نلاحظ الزيادة المستمرة في استخدام هذه التقنيات، ويمكن إجمالها بمفهوم الرّسوم الرقمية CGI.

يعود استخدامها لأسباب عديدة؛ منها أسباب اقتصادية تتعلّق بالميزانية المرصودة للعمل، وأسباب أُخرى تتعلّق بالجدولة كضيق الوقت، والذي يشكّل كابوس لأي صانع أنيمي. وفي حالات نادرة يكون استخدام الرّسوم الرقمية توجّه فنّي بحت، كما يحصل مع استديو Orange. وبلا شك يساعد الـCGI  في تخفيف الضّغط عن الطّاقم العامل.

على أيِّ حال، سأُركز قي هذا المقال على تقنية الرّسوم الرقمية CGI نفسها، نطاق استخدامها وجزء الـ3D فيها، وأثر المؤثرات البصرية VFX عليها، مع أمثلة توضيحيّة في آخر المطاف.

مفهوم الـ CGI والبرامج المستخدمة في إنشاءه 

هو اختصار لجملة  Computer-Generated Imagery بمعنى “الصّور المنشأة حاسوبيًا” ويطلق عليها اصطلاحًا بالرّسوم الرقمية، ومن التسمية فقط يمكن استنتاج أنها وسيلة تقنيّة. وتشمل جميع الرّسومات التي يتم إنتاجها باستخدام برامج إلكترونية سواءً كانت هذه الرّسوم مُجسّمة أو مسطّحة. ولا يوجد برنامج مخصّص بعينه لإنشاء هذه الرّسوم، فالأمر متروك للصّانع، والغرض الذي سيُصنع لأجله العمل.

يبدأ الأمر من أسفل السلّم باستخدام برامج كالفوتوشوب أو Adobe illustrator، صعودًا إلى برامج أعلى في الإمكانيات وتتيح خيارات أكثر، كالـ Z-Brush و Maya Software. إضافةً إلى محرّكات خاصّة مبتكرة خصّيصًا لإنشاء رسوم بجودة مُعيّنة، كما هو الحال مع استديو Pixar ومحرّكهم العظيم Pixar Renderman.

وهذا الأخير –Pixar Renderman– برنامج ضخم، مُكلّف للغاية مقارنةً بالبرامج الأخرى، إلا أنّه متاح للاستخدام التجاري كشركة طرف ثالث، وتم إصدار نسخة منه غير تجارية بإمكانيات محدودة. 

واجهة برنامج Pixar Renderman

استخدامات الرسوم الرقمية CGI

مجال استخدام الرّسوم الرقمية في الانمي واسع، فبدايةً بأبسط الأمور كرسم السيّارات والخلفيات، إلى رسم حركة الأشخاص والآلات العملاقة في انميات الميكا. وتختلف نسبة الاستخدام من مُنتَج لآخر، وجودة هذه الرّسوم هي الأخرى غير ثابتة وتحكُمها ظروف عديدة؛ منها الميزانيّة وجودة الطاقم، ونوع وكفاءة البرامج المستخدمة. ويظل العامل الذهبي في التحكّم بجودة هذه الرّسوم هو عامل الحرّية، فكلما زادت مساحة الطاقم من الوقت والصلاحيّات، زادت جودة هذه الرّسوم.

من أبرز ملامح استخدام الـCGI، رسم الحشود، كالجيوش مثلًا أو المارّة في تقاطعات الطُّرُق والتجمّعات ونحو ذلك. فبدلًا من رسم كل فرد يدويًّا، ممّا يستنزف الجهد ويقتل الوقت، يمكن استخدام نماذج مُعدّة مسبقًا لهذا الغرض أو إنشاء نماذج خاصّة واستخدامها. 

وأيضًا يكثر استخدام الرّسوم الرقمية في رسم الخلفيات، وخصوصًا الأشجار لكثرة عددها، والسيّارات نظرًا لحركتها، وذات الشيء ينطبق على السفن الفضائيّة ووسائل النقل العامّة.

ومع كل هذا التّقريب لا يمكننا حصر استخدام الـCGI في نواحي معيّنة، ففي طبيعة الحال تتطوّر التكنولوجيا باستمرار، وتظهر أدوات جديدة وتبرز الحاجة لإستخدام وسائل لم توجد في الصّناعة سابقًا، مثلما يحدث مؤخرًا مع استديو Orange، والذي عمد على استخدام مُدخلات جديدة كليًا على صناعة الأنيمي الياباني، ومن المُرجّح دخول وسائل أخرى وبشكل أكثر كثافةً عن قبل.

الجزء ثلاثي الأبعاد 3D من الرسوم الرقمية CGI

يقترن الرّمز “3D” عادةً مع الرّسوم الرقمية CGI، ومن المعلوم أن هذا الرّمز يشير إلى الأجسام ثلاثيّة الأبعاد (3-Dimensional)، وفي السياق الحالي معناه “الرّسومات ثلاثيّة الأبعاد”.

تلازُم هذين المصطلحين ليس اعتباطيًا، فكما ذكرت سابقًا عن استخدامات الـCGI، فهو قد يكون مُسطّح (Flat) كما في رسم بعض الخلفّات كالأبواب والأثاث بشكلٍ عام، ولكن هو أيضًا يمكن أن يكون مُجسّم، وهنا يأتي دور الـ3D، فلأجل تحريك جسم ما كالإنسان، يتطلّب منك هذا إجراء برمجة مُعيّنة تجعله يتحرّك بشكل أقرب للواقع، وهذا هو جوهر دور الـ3D، حركة الأجسام.

أي أنّ مفهوم الـ3D لا يقتصر على خلق أجسام بهيئة ثلاثيّة الأبعاد، فحتّى من خلال الرّسم اليدوي تستطيع انشاء أبعاد خياليّة توحي بتعدّدها، ولكن لأجل إجراء فعل الحركة فأنت هنا تحتاج لعدد هائل من الإطارات المرسومة، بالمقابل تستطيع بأوامر معيّنة إنشاء جسم متحرّك ثلاثي الأبعاد، فقط من خلال تقنيات الـ3D، وهنا تأتي أهمية الـ3D ومكمن قوّته.

باختصار، لأجل تحريك جسم مرسوم بتقنيات الـCGI، ستحتاج لبرامج الـ3D، وهذه البرامج متخصّصة أكثر، وتلزم تعامل خاص ودقيق في سبيل الخروج بأفضل نتيجة. ولتفاصيل أكثر يمكنكم الاطلاع من هنا.

لذا فيمكن القول أن الـ3D هو جزء من الـCGI، يتعلّق بالحركة الديناميكيّة للأجسام، جمعهما بمصطلح “3DCGI” صحيح، مع احتفاظ كلٍّ منهما بهويّته، ولا مشكلة في التّعبير عنهما بلفظ CGI فقط.

استخدام الـCGI و الـ3D في أنيمي Fullmetal Alchemist Brotherhood

دور المؤثرات البصرية VFX

تلعب المؤثرات البصريّة VFX (اختصارًا لـ Visual Effects) دورًا جوهريًا في إنتاج الرّسوم الرقمية، وتحديدًا مرحلة ما بعد الإنتاج.

المؤثرات البصرية هي الأُخرى تستخدم في مجالات عديدة وواسعة، فأشعة الشمس مثلًا قد تكون نتاج مؤثر بصري، وإطلاق النّار مؤثر بصري وكذا الحال مع الانفجارات التي تحتاج مؤثرات بصرية شديدة الحدّة.

مؤثرات بصرية حاضرة في الإنفجار – أنيمي Space battleship yamato 2199

الـVFX يمكن أن يكون مؤثِّر لحظي، يؤثر على نقطة معيّنة في وقت معيّن، كما في الأمثلة السابقة، وقد يكون مؤثِّر دائم وهنا نطلق عليه لفظ فلتر (Filter). غرض هذا الفلتر إضافة تأثير مستمر على الشاشة، على امتداد الحلقة أو للقطة واحدة معيّنة، ولكن بنطاق واسع.

من الأعمال التي استخدمت مؤثر بصري واضح ممتد الأثر (فلتر)، Kino no tabi الأصلي، وأنيمي Araburu Kisetsu no Otome-domo yo مؤخرًا. وهناك فلاتر مُركّبة (مُعقّدة) تم استخدامها في بعض الأعمال كـ Mononoke 2007.

ويُشاع استخدام الفلاتر في مشاهد الذّكريات أو الفلاش باك بشكلٍ عام، إذ يُستخدم مؤثر ضبابي مُعيّن، يوحي بتشوّش الذاكرة. 

على نحوٍ خاص، تلعب المؤثرات البصرية دورًا هامًّا في عملية صنع الرّسوم الرقمية CGI، فهذه الرّسوم عامّةً تفتقر للحيوية في تصميمها على عكس الرّسوم اليدوية، لأنها مُنتَج آلي خالي من التفاصيل بذاته، لذا ففي سبل بث الحيوية فيه يقوم المختصّون باستخدام مكثّف للمؤثرات البصرية. وبالتالي لا يمكننا عزل الـCGI والـVFX عن بعضهما عند الحديث عن الصّناعة الرقمية. 

أمثلة توضيحيّة

من الاستديوهات الناجحة في إنتاج الرّسوم الرقمية، استديو يوفوتيبل، ويتمثل هذا النجاح في نقطتين:

الأولى: اتقانه للأساسات العامة، وابتعاده عن الابتذال.

الثانية: رفعه لمستوى الرّسوم الرقمية باستمرار، ونقلها لمرحلة أخرى تماما، ممّا يجعل هذه الرّسوم نقطة قوة للعمل وليس أداءً للواجب فحسب.

وعند الحديث عن الرّسوم الرقمية الخاصة باستديو يوفوتيبل، لا يمكننا إلا أن نذكر مؤثراتهم البصرية، والتي دائمًا ما كانت الداعم الأول لهذه الرّسوم، وسبب رئيسي في بريقها، وحتى مع استخدامهم الكثيف جدًا لها، تظل جودتها حاضرة وملحوظة.

المؤثرات البصرية في سلسلة Fate – إنتاج ufotable

استديو كوميكس ويف للمخرج ماكوتو شينكاي هو الآخر عمله متقن في مجال الرّسوم الرقمية، وتحديدًا في مجال رسم الخلفيات، والذي يطابق إلى حد كبير مظهرها في العالم الحقيقي، ويعود السبب لاستخدامهم نماذج من أماكن حقيقية تساعدهم على رصد التفاصيل ونقلها إلى داخل عملهم، إضافةً إلى المؤثرات البصرية المُتقنة والتي تلعب دور جوهري في رفع جودة الرّسوم.

تقنية مهمّة أخرى تستخدم في مجال الرّسوم الرّقمية، وهي الروتوسكوب (Rotoscope)، وتعتمد على استخدام ممثّلين حقيقيين يقومون بأداء المشاهد ثم يتم أخذها ومعالجتها رقميًّا لتظهر بهيئة رسوم متحرّكة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك أنيمي Aku no Hana من إنتاج استديو Zexcs.

تقنية الروتوسكوب المستخدمة في أنيمي Aku no hana

ظهر في الفترة الأخيرة على الساحة لاعب جديد، وهو استديو Orange، الذي من أبرز أعماله Houseki no Kuni و Beastars. واختلافه عن البقية هو في اعتماده شبه التام على الرسوم الرقمية في إنتاجاته، واستخدام تقنيات متطورة تستعمل للمرة الأولى في مجال الانيمي. سأؤجل الكلام في موضوع هذا الاستديو لوقت لاحق، لكن بامكانكم الاطلاع على بعض التفاصيل الخاصّة بطريقة عملهم وإخراجهم لأعمالهم من هنا  (مقال مترجم في موقعنا).

ختامًا: حاولت في هذه المقالة تقديم نظرة عامّة حول الرّسوم الرقمية CGI، معناها ومواضع استخدامها، وتوضيح اللبس الحاصل في التسميات، مع إبراز دور المؤثرات البصرية التي لا تلاقي الاهتمام المستحق عادةً، وذكر بعض الأمثلة التوضيحيّة لتقريب الأفكار. وتعمّدت تحاشي الخوض في بعض الجوانب، مثل تكلفة إنتاج هذه الرّسوم، وتدنّي جودتها مقارنة بالنموذج الغربي والأمريكي خصوصًا، لأنني بإذن الله أنوي التعمّق في هذه الأمور من خلال مقالات ستنشر لاحقًا، وإلى ذلك الحين أنصحكم بقراءة مقال مترجم في موقعنا يتناول تاريخ الرّسوم الرقمية في مجال الأنيمي وأبرز المحطات لها (من هنا).

والسّلام.

اظهر المزيد

محمد

مُراجع، وكاتب مقالات أحيانًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق