مقالات

العناصر البصريّة الأكثر شيوعًا في افتتاحيات وختاميات الأنيمي

على مدِّ الزّمن مرّت صناعة الأنيمي بتحوّلاتٍ عديدة أكسبتها قوّةً في الكفِّ الأيمن وسلبتها بعضًا من تلك القوّة في الكفِّ الآخر. ومع جميع التغييرات الحادثة والمُستحدثة والمستمرّة دائمًا في الحدوث، هناك تقاليد ظلّت واقفة ومتواجدة حتّى يومنا هذا، ولعلّ أبرز تقليد هو افتتاحية وختامية الحلقات، المعتمدة بشكلٍ أساسي على وجود أغنية مع مشاهد متعلّقة بالأنيمي وقصّته، ومن النادر جدًا وجود عمل يتجاوز هذا التقليد الأخير.

لكن، ما الفائدة أو الغرض من الافتتاحيّات -وكذلك الختاميّات- أساسًا؟ حسنًا، الغرض الأول والبديهي هو خلق قاعدة جاهزة لعرض معلومات الإنتاج، من طاقم العمل والشركات المنتجة والاستديوهات ونحو ذلك، غير أنّ هذا لا يستدعي وجود أغنية افتتاح وأخرى للختام، فمثلًا في المسلسلات الواقعية هناك شارة بداية موسيقية وأحيانًا غنائية، بينما الختامية تكون شاشة سوداء يُستعرض خلالها المعلومات المذكورة مسبقًا على نحوٍ رتيب، وهذا عكس المعمول به في الأنيميات، إذًا ما الداعي؟

يُشارك هذين المُكوِّنَين -الافتتاحية والختامية- على نحوٍ مباشر في عملية الترويج للأنيمي، كحال العروض الدعائية التقليدية (Trailers)، فقدرتهما على جذب الجماهير عالية جدًا إضافةً للبُعد التجاري المتمثّل بالعروض الغنائية المباشرة (Concerts)، خصوصًا أن كثير من هذه الأغاني المستخدمة في الافتتاحيات والختاميات يتم تأديتها بواسطة فِرق ومُغنّين ذوي صيت عالي في الوسط الفنّي، لذا فالفوائد هنا تتضاعف، ممّا يوجِب الاعتناء بها. 

ومن مظاهر الاعتناء، العناية بمظهرها البصري، فنشاهد أغلب الافتتاحيات تحتوي على أجود الرّسوم الموجودة في الأنيمي، ويصل الأمر لإعداد رسوم خاصّة من أجل الافتتاحية، مرسومة بأفضل الأيادي ومُخرجة بواسطة أفضل المخرجين، وينطبق ذات الأمر على الختاميات.

كلًّا من الافتتاحية والختامية يتألفان من مجموعة عناصر والتي بدورها تعكس رؤية معينة أو تُعبّر عن فكرة ضمن إطار القصّة وقد تروي قصّة موازية، لها بعدها الخاص، ومن بين جميع  هذه العناصر هناك عدد معقول من العناصر تتكرر باستمرار، وهنا سأسلط حبر قلمي حول هذه العناصر “الأكثر شيوعًا” محاولًا كشف دلالاتها قدرما يصل بي الفهم، وسأقف على بعض النقاط الهامّة لتفصيلها أكثر حيث الحاجة تدعو لذلك. 

اللقطات العلويّة:

اللقطات المأخوذة من زوايا فوقيّة، أو من مستوى أعلى من مستوى الحدث، غالبًا ما يكون غرضها أحّد إثنين:

الأول أن تكون لقطة كاشفة للبيئة، تساعد على إعطاء نظرة عامّة للمحيط وتقديم صورة معيّنة عن المكان الذي تسري به الأحداث.

والثّاني هي أن تكون مؤثّر انتقالي (transition effect) بين لقطتين أو مشهدين، ويُكثر استخدام اللقطات العلوية لهذا الغرض لأنها تعطي مظهرًا جماليًا أكثر من بقية المؤثرات الأخرى، وبجانب دورها الانتقالي يمكن تطويعها لتقديم مشهد آخر قائم بذاته وهنا تظهر جودة الاستخدام لهذه اللقطات.

وعدا ذلك، يمكن استخدام اللقطات العلوية لتبيين جانب آخر وهو الوحدة والانعزال النفسي، غير أنها قد تمتزج مع عناصر أخرى، أبرزها الغرق، والزاوية العلويّة هنا تكشف العمق والسطح معًا، عكس الزوايا الأخرى التي تركّز على العمق غالبًا.

التأمُّل (أو العُزلة):

لا تعقيد يذكر في هذا العنصر، فأغراضه وأساليبه واضحة تمامًا. ولو فرضنا وجود عناصر أساسيّة للإفتتاحيّات والختاميّات فسيكون التأمُّل ضمن هذه العناصر حتمًا.

يتآلف هذا العنصر رفقة مكوّنات أخرى لتقديم دلالات مشتركة، كأن يترافق مع أجواءٍ مُقمرة أو أمطارٍ منهمرة، أو خلفيّةٍ مُصمّتة، لخلق حالة من السكون والعُزلة، والتي تُعبّر في كثير من الأحيان وفي هذه الحالة تحديدًا عن تفكُّر الشخص في ذاته، بعيدًا عن المحيط وما يرافقه من مشتّتات حسّية.

ولأنّ الختاميّات تمتاز بطابعها الشاعري والهادئ، لذا في الغالب ما تجد التأمُّل حاضرًا هناك، أكثر بشكلٍ ملحوظ من الإفتتاحيّات، غير أنّ من السهولة جدًا إيجاد هذا العنصر في كلتيهما عند المتابعة عشوائيًا.

في الختامية الأولى لناروتو شيبودين، نرى طابع التأمّل هو السائد في الثلث الأول منها، وبعد ذلك ننتقل لمقطع انيميشن مبسّط قد يُمثّل بصيص الأمل الذي سيخرج الشخصيات من عزلتهم النفسيّة، وبالفعل ينتهي هذا المقطع لنرى ناروتو محدّقًا بالنجوم، في علامة لتحسّن مزاجه وانفكاك أزمته، أو أن تكون تعبيرًا لهمّته وتجدّد رغبته في لم الشمل مجددًا بعد التفرّق.

في ختاميّتَي انمي GTO الأولى والثانية؛ نرى البطل أونيزوكا غارقًا في التفكير في كلتيهما في لحظاتِ خلوٍّ مع النفس، والختامية الثانية تحديدًا نرى ذلك بصورة أكثر تجلّي؛ فبينما يجلس أونيزوكا وحيدًا داخل أحد الفصول الدراسية، يُعرض أمامنا وبالتزامن مع جلوسه، لقطات متنوّعة عن أحداث سبق وأن خاضها هو بنفسه رفقة أشخاص يحملون أهمية خاصّة بالنسبة له، وفور انتهاء هذه اللقطات، يلتقط كرّاسته ويتوجّه إلى خارج الفصل، بعد جلسة مراجعة مع ذاته.

في افتتاحية Fullmetal Alchemist: Brotherhood الخامسة، ورغم اشتداد الصراع بين جميع الأطراف في القصّة نظير الوصول لذروة الأحداث، إلا أننا لم نشاهد افتتاحية بطابع ثوري هائج كما هو معتاد في أغلب الأعمال من هذا النوع، وعلى العكس كانت افتتاحية شاعرية تفيض بالعواطف التي اعتصرت قلوب الشخصيّات طيلة رحلتهم، وكأن المخرج يرغب بمنحهم لحظة صفاء أخيرة مع أنفسهم وذواتهم، فمهما زاد الصراع الخارجي ضراوةً، تظل النفس هي الخصم الألد لصاحبها، خصوصًا إن كانت العواقب لا تحتمل اللون الرمادي.

والأمثلة لا حصر لها، كون تواجد هذا العنصر لم يرتبط بحقبة زمنيّة معيّنة أو نوع خاص من الأعمال، بل هو حاضر دائمًا وسيحضر مجددًا ما امتدّ الزمن، ومن التطبيقات التي تستحق الذكر مؤخرًا؛ افتتاحية Mahoutsukai no yome، وتظهر فيها بطلة القصّة وهي في عُزلة تامّة عن محيطها، وما انفكّت تحاول الخروج من حالة الجمود التي تعيشها حتّى أتاها الإنقاذ من الخارج، والافتتاحية هنا تجسّد جزء مهم جدًا من قصة العمل الأساسية، لذا فهي جمعت بين أمرين في آنٍ واحد، وهما الإبهار المظهري والتدليل المعنوي. 

الاصطفاف:

هذه الصفة، أو هذا العنصر ليس ميزة حصريّة للأنيمي، فقد سبقهم الفن المسرحي بها من مدّة طويلة، فإحدى التقاليد الثابتة في العروض المسرحية؛ اصطفاف الشخصيات الرئيسية مع بعضهم البعض، وتحيّة الجماهير قُبيل انتهاء العرض، ونفس الأمر يحدث في بعض افتتاحيات الأنيمي، إذ في نهاية الافتتاحية تصطف الشخصيات الرئيسية (الأخيار خصوصًا)، غير أن الهدف هنا لا يقتضي تحيّة الجماهير، بقدر كونه استعراض لهم بصورة مباشرة أمام المشاهدين. 

لا أذكر أنني رأيت هذا الشكل من الاصطفاف في الختاميات، فهو يقتصر على الافتتاحيات، ويظهر جليًّا في أعمال الشونين القتالي، غرار دراغون بول وناروتو وبلاك كلوفر، وغيرهم. 

من الأمثلة الجيّدة على الاصطفاف، والذي لا يشابه الاصطفاف التقليدي إلا في الهدف، هو الاصطفاف في الافتتاحية هايكيو الثانية، وهنا تمّ بطريقة عفوية ضمن سياق يتطلّب هذا الفعل، إضافةً للهدف المقصود سابقًا، التعريف بالشخصيات. 

ثمّ في آخر الافتتاحية، تعود الشخصيات وتصطف بالطريقة التقليدية الشائعة، كأي عمل آخر يتبنّى هذا النهج. 

تتشارك ختاميات دورارارا بمظهرٍ فريد، حيث يتم استعراض الشخصيات بطريقة رائعة ومبتكرة من الاصطفاف، إنّ صحّ اعتباره اصطفافًا، لأنّ الاستعراض هنا تتابعي يعطي كل شخصية وقتها الخاص على الشاشة، واحدٌ يتلو الآخر بدون أي قطع حتّى يُنتهى من جميع الشخصيات وعلى كثرتها. 

الالتفاف (أو الالتفات): 

غالبًا ما يتمثّل بشخصية تعطي ظهرها للشاشة ثمّ تستدير جزئيًا نحوها، خصوصًا الرأس وأعلى الجسم، وقد يكون التفافًا كاملًا.

على عكس التأمّل، العنصر هذا يصوّر بطريقة مباشرة ارتباط الشخص بمحيطه، ووعيه واهتمامه بما يحدث، فلا يسعه التجاهل ويقرر المواجهة، وقد يكون الأمر أبسط من ذلك  كأن يكون الغرض من الالتفاف تحيّة شخصٍ ما أو الرد على أحدهم، إلا أنّ المعنى في كل الحالات واحد تقريبًا، وهو التفاعل مع البيئة. 

الأمثلة كثيرة جدًا، بدايةً بأبسطها والتي عادةً تخص الأعمال المدرسية، إلى حالات أكثر حدّة وجدية، تعكس الرغبة والعزيمة في نفسِ صاحبها، ورغم أنّ هذا العنصر قد لا يمتد سوى لثانية واحدة، إلا أنّه بليغ في هدفه ورسالته. 

الركض:

هذا العنصر هو الأغرب والأميز وربّما الأكثر شهرةً واستخدامًا بالنظر لأقرانه، بل وتحوّل الأمر إلى ميم في بعض الحالات ومن صنّاع الأنيمي أنفسهم، كما في افتتاحية Tesagure! Bukatsumono التي جعلت من موضوع الركض مادةً ترتكز عليها الافتتاحية وعلى نحوٍ ساخر.

من الصعب تحديد سببٍ معيّن لوجود هذا العنصر، أو حتّى حصر استخداماته الشائعة، فمنذ السبعينات -وقبلها غالبًا- كان للركض وجودًا حقيقيًا وملحوظًا، كما في افتتاحية UFO Robo Grendizer في أوائل السبعينات، وأرى أنّ الأعمال من هذا النوع طوّرت جدًا من مظهر الافتتاحيات عامّةً، فالاهتمام الهائل فيها ساعد في صنع ملامح الافتتاحيات فيما بعد، وعنصر الركض بالتأكيد ضمن ذلك. 

في الأعمال المدرسية، أو ذات الطابع اليومي، لا يحمل الركض قيمة في ذاته غالبًا، إنّما يضيف ديناميكية وحركية للمشهد، جاعلًا منه أكثر حيويّة، ومناسبًا لأجواء الأغنية، ذات الإيقاع والنغم الفرائحي الراقص، وأيضًا يساعد الركض هنا في عرض الشخصيات تواليًا في بعض الأحيان أو مع بعضها في أحيانٍ أخرى. 

أحيانًا للركض بعدًا دراميًا يناسب مجرى القصّة ومغزاها، ففي Bokurano، لا يمكن تفسير تلك الركضة في الأفق إلا بعد ربطها بأبعاد القصّة وخباياها، والأغنية المأساوية بلحنها وكلماتها نجحت جدًا في صنع تحفة رائعة، وسيظل هذا المشهد ورغم قصر مدّته عالقًا في البال دون البقية. 

أمّا افتتاحية Wolf’s Rain، فنجحت في نقل احساسٍ مشابه لما في بوكورانو، ولكن باسلوبٍ إخراجيٍّ مختلف، عاكسًا رغبة البطل وملخّصًا مسعاه، يركضُ الذئب وحيدًا ويتلوه مباشرةً البطل، راكضًا نحو خلاصه، ولا شيء سواه. 

أحد الأعمال التي أجادت استخدام الركض وتوظيفه هو    Boku dake ga Inai Machi، ليس من ناحية الغرض أو الهدف فقط بل تنفيذًا واخراجًا أيضًا. مشهد ركض الطلاب في الارجاء، أدى لعرض البيئة وخصائصها بنجاحٍ مطلق، وساعد في تقديم العالم بأبكرِ وقتٍ ممكن، أمّا من الناحية التنفيذية، فهو مبهر، وممتع جدًا للمشاهدة، كحال الافتتاحية بأكملها، وحتّى بوجود الاقتطاعات ما زال ممكنًا الإحساس بتواصل كلّ جزءٍ منه بالآخر.

ولن أختم إلّا بإحدى أمتع الافتتاحيات بالنسبة لي، افتتاحية Gintama التاسعة، والتي ببساطة مطلقة حشرت جميع الشخصيات في الموسم بمشهدٍ واحد، أشبه بكرنفال عملاق، منهم من يركض ومنهم من يركب سيارةً أو حصانًا أو حتّى سفينةً عملاقة، والأمر هنا لا يتعدّى نقل فكرة متداولة من قالبٍ صغير إلى نطاقٍ أوسع بكثير، وهذا ما حصل، فوضى ممتعة مفتعلة.

هناك عناصر أخرى بودّي الحديث عنها، كالانصراف إلى تصوير الطبيعة، أو استخدام اللقطات المُجزّئة كما في افتتاحية Cowboy Bebop، لكنني رأيت الوقوف عند خمسٍ من العناصر كافٍ في الوقت الحالي، وقد يتم تحديث المقالة مستقبلًا لتضمين عناصرًا إضافية، أو كتابةِ جزءٍ ثانٍ، ولا أضمن ذلك عمومًا، وبكل الأحوال، رمضان مبارك.

اظهر المزيد

محمد

مُراجع، وكاتب مقالات أحيانًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق